يتساءل الكاتب جنيد أحمد كيف يمكن الحديث عن "العالم الإسلامي" بينما يصمت أو يتواطأ أو يتقاعس أمام الإبادة الجماعية، في وقت يُعذَّب فيه المسلمون من غزة إلى كشمير ومن السودان إلى سوريا بلا محاسبة. يرى أن الوقت قد حان لتلاوة الفاتحة على روح "مفهوم العالم الإسلامي الموحد"،، لأن التظاهر بوجود وحدة وهمية لا يغير من واقع الهزيمة الأخلاقية والسياسية شيئًا.
وقالت صحيفة ميدل إيست مونيتور ، إن عبارة "العالم الإسلامي" كانت ترمز سابقًا إلى أمة روحية تمدّ جذورها من جاكرتا إلى الدار البيضاء، موحدة بالإيمان والرؤية الأخلاقية المشتركة، لكنها تحوّلت اليوم إلى رمز ساخر لأمة مفككة لا تستطيع حتى الاتفاق على بداية العيد، فضلًا عن التنسيق للرد على المجازر المرتكبة بحق أبنائها. يرى الكاتب أن ما تبقى من هذه الأمة أشبه بجسد يحتضر، يهمس بشعارات جوفاء بينما تنزع عنه أجهزة التنفس الاصطناعي.
وبحسب الكاتب، معظم حكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة تحوّلت إلى دول تابعة، تحركها القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. ويستثني إيران نسبيًا، مشيرًا إلى أنها تتأرجح بين الواقعية والتحدي. أما بقيّة العواصم، من الرياض إلى الرباط، ومن إسلام آباد إلى عمّان، فسياساتها الخارجية تُكتب في واشنطن أو تُعرض عليها للموافقة. يذهب الكاتب حد القول إن الفرق بين وزارات خارجية بعض هذه الدول ووزارة الخارجية الأمريكية لا يتجاوز نوع الستائر.
يقدم باكستان مثالًا على هذا التبعية، منتقدًا دور المؤسسة العسكرية فيها التي يعتبرها الخادم المطيع للمصالح الأمريكية، حتى عندما تصدر تصريحات خافتة تُدين العدوان على غزة. ويصف هذا الولاء بأنه أصبح تلقائيًا، وكأن الجينات العسكرية نفسها قد تشبعت بالخضوع.
ثم ينتقل الكاتب للحديث عن الأزمة الجوهرية، التي يراها أزمة مفاهيم، موضحًا أن "العالم الإسلامي" لا يمثل أي وحدة حقيقية، لا سياسية ولا أخلاقية. فالحكومات المسلمة تتنازل عن مبادئها مقابل صفقات سلاح أو قروض دولية، وتحوّل الدفاع عن الأقصى إلى استعراض إعلامي، وتلتزم الصمت تجاه اللاجئين المسلمين، بينما تنال رضا واشنطن أكثر من سعيها لوحدة الأمة.
يقترح الكاتب التخلي عن وهم "العالم الإسلامي" باعتباره خطوة تحرر لا هزيمة، لأنها تفتح المجال لرؤية سياسية جديدة تنطلق من التمييز بين الصديق والعدو، لا بناءً على الهوية الدينية أو الشعارات، بل على أساس الوقوف مع المظلومين ومواجهة الظالمين. ويستدعي في هذا السياق مفهوم كارل شميت حول تعريف السياسة باعتبارها تمييزًا بين العدو والصديق، ليطبّقه على واقع الأنظمة المسلمة التي تصافح الطغاة وتتلو آيات من القرآن في المؤتمرات.
يشدد الكاتب على أن القليل من الحكام اليوم يواجهون فرعون، بينما تنحني الغالبية أمام سطوته، من قصور الخليج إلى الثكنات العسكرية في إسلام آباد، وصولًا إلى العروش البروتوكولية في شمال أفريقيا. يرى أن الدين الحقيقي يقف إلى جانب المظلومين، كما فعل موسى مع المستضعفين، وأن الحسابات السياسية لا مكان لها في هذا الموقف الأخلاقي النبيل.
يدعو الكاتب إلى بناء سياسة نبوية جديدة، ترفض ديبلوماسية الرياء، وتؤمن بأن الحليف الحقيقي ليس من يشبهنا في الاسم أو اللغة أو الدين، بل من يقف مع المظلومين. ويؤكد أن العدو ليس بالضرورة "الكافر"، بل من يبيع الأمة مقابل اتفاقيات عسكرية ولو كان يرتدي الكوفية ويتحدث العربية بطلاقة.
ويعتبر أن نهاية "العالم الإسلامي" ككتلة سياسية موحدة تمثل بداية الأمل، حيث يمكن للمجتمع المسلم أن يعيد تعريف نفسه بعيدًا عن رايات الدول وصفقات القصور، وأن يتوجه نحو بناء تضامن حقيقي من القاعدة، مع المهمشين والمقاومين، بعيدًا عن الرؤساء والجنرالات. يعدد بعض رموز هذه الأمة الحقيقية: الطفل الفلسطيني الذي يرشق الاحتلال بالحجارة، الطبيب السوداني الذي يُضمّد الجراح، والطفل السوري الذي يتمسك بكتابه بين الأنقاض.
ويدعو إلى إعادة التفكير في القيادة، التي لا يجب أن تُرى في الملوك أو النواب، بل في الشعراء، والمفكرين، والنشطاء الشباب، وأصحاب الصوت الأخلاقي. ويحث على بناء مجتمعات مقاومة تتجاوز الحدود واللغات، وترتكز على قيم العدالة لا الانتماءات القومية.
ويعترف بأن الطريق صعب، فلا جيوش ولا نفط يدعم هذا التوجه، لكنه يذكّر بأن الرسالات النبوية بدأت من الهامش، من رجل في غار، أو صوت في البرية، أو عصا في يد مطارد. ويختم بالدعوة لدفن أوهام "العالم الإسلامي" بكرامة، وكتابة مرثيته، لا بيأس، بل بأمل متحدٍ. فعندما تسقط الأصنام، حتى تلك التي نحتناها بأيدينا، تبدأ العبادة الحقة.
ويؤكد أن أمام المسلمين مفترق طرق حاسم: إما مواصلة الانحناء أمام عروش باع أصحابها ضمائرهم، أو النهوض كما فعل موسى ومحمد ومالكوم، والقول "لا" للطغيان، وللظلم، وللتواطؤ المغلف بالدبلوماسية.
العالم الإسلامي انتهى. فليحيا مجتمع المظلومين، والعادلين، والأحرار.
https://www.middleeastmonitor.com/20250804-the-muslim-world-a-requiem/